«الوقائع المصرية» هى أول صحيفة رسمية محلية، إذ صدر العدد الأول منها فى 25 جمادى الأول عام 1244هـ الموافق 3 ديسمبر 1828م، ويرجع الفضل فى ذلك إلى محمد على لتكون صدى لما عليه مصر من قوة وحياة، وكانت هذه الصحيفة مدرسة لأدباء الشرق عامة ولمفكرى مصر خاصة، ومنفذاً لأقلامهم ومعرضاً لبحوثهم. ظهرت فكرة الجريدة فى الصحافة المصرية بجهد الحملة الفرنسية، حيث تم إنشاء أول جريدة عرفها الشعب المصرى وهى جريدة «بريد مصر» وصدرت باللغة الفرنسية فى 29 أغسطس سنة 1798 بحجم 4 صفحات وكانت تحتوى على الحوادث اليومية بالإضافة لأنباء دواوينهم وأماكن أحكامهم وحفلات الجيش، ومع جلاء الحملة الفرنسية شهدت مصر تطوراً فى شتى نواحى الحياة واقتضت النهضة الواسعة التى طرأت على حياة مصر فى عهد محمد على وجود الصحافة وإنشاء مطبعة بولاق، كأول مطبعة للحكومة المصرية، ولم تكن للوالى سياسة صحفية واضحة غير أنه كان شغوفاً بالاطلاع عليها ومعرفة ما حملت من آراء وأخبار، لكنه التفت إلى الصحف الغربية فأعجب بها وعرف أنه لكى ينهض بمصر عليه أن يعرف أخبار الدول الأخرى وأصبحت لديه رغبة فى التعرف على أخبار الداخل والخارج، وبالتالى أنشأ محمد على أول جريدة مصرية واعتبرها جريدة الحكومة الرسمية، وأمر بتهيئة الوسائل لنشر هذه الجريدة ورسم لها خطة التوزيع والانتشار على نهج يحقق آماله فيها كما نجح الغرب. كانت الصحيفة توزع فى الجهادية «الجيش» مقابل الرسوم المقررة لها، وعلى رجال الدولة ورعاياها هدية تقليداً لما كان يحدث فى أوروبا فى ذلك الوقت، فكانت تهدى إليهم الصحيفة حتى أصبحت حقاً مكتسباً يطالبون بها ويجب عليهم أن يرسلوها، ورأى محمد على أن الجريدة مقروءة عند فئة بسيطة، وهى كبار الموظفين وأمراء البيت والعلماء والجيش فقط، ولهذا فكر فى انتشارها عند طبقة جديدة من طبقات الشعب وهى طلاب العلم الذين لهم مكان عند الحكومة، لذلك كانت توزع الصحيفة عليهم بالمجان. وعلى الصعيد الآخر ألزم الموظفون الذين يتقاضون ألف قرش فى الشهر بقراءتها إذ إنه يتم استقطاع رسم «الوقائع» 77 قرشاً و11 يارة من رواتبهم. والغريب أن الإجبار وصل حتى للموظفين الفرنسيين رغم أنهم لا يعرفون اللغة العربية أو التركية اللتين كانت تصدر بهما، وحرصت الحكومة على تحصيل ثمنها وملاحقة المدنيين، ويذكر أن أحد الموظفين توفى وقضى على ابنه الموظف فى ديوان المالية بخصم دين أبيه من راتبه. وبعد أن ضمن الوالى محمد على توزيع «الوقائع» على أكثر من فئة، التفت إلى استقامة العمل فى إداراتها وكان يراقب بنفسه النشر وعمل على أن يكون توزيعها منتظماً لا تعترضه عقبة حتى ذاع صيتها فى الأعياد. ولم تكن عناية محمد على بـ«الوقائع المصرية» عناية سطحية رغم ما كانت تشغله الحياة العامة بمسائل أخطر كثيراً من الجريدة الرسمية، لكنه أحس بقيمة الصحيفة وأعد للجريدة مطبعة وهيأ لها المأمورين والمحررين والمترجمين والعمال وفرض على موظفيه من الأجانب والوطنيين أن يوالوها بالمقالات المهمة وكان يقرر لموظفى الجريدة مكافآت للخبر من قرش إلى 100 قرش، بالإضافة إلى الحم والأرز والسمن التى كانت تعطى للموظفين. صدر العدد الأول من «الوقائع المصرية»، فى 25 جمادى الأول سنة 1244هـ، الموافق 3 ديسمبر 1828م، ولم يكن لها ميعاد معلوم فى الظهور فأحياناً تصدر 3 مرات فى الأسبوع وأخرى مرة واحدة وفى بعض الأحيان تطول الفترة بين العدد والآخر، حتى إنه صدر العدد الثانى منها بعد صدور الأول بـ14 يوماً. ولم تقتصر «الوقائع» على نشر الحوادث الرسمية بل كانت أيضاً تبحث قليلاً فى المسائل المالية والعلمية وصدرت «الوقائع» فى 4 صفحات، طول الصفحة 37 سنتيمترا ذات نهرين، وتحتوى على الموضوعات باللغة التركية ومترجمة باللغة العربية، وخرج العدد الأول للنور تتصدره الافتتاحية باللغتين متضمنة الأغراض التى من أجلها صدرت الوقائع المصرية، وعين أول مدير لتحرير القسم التركى، وهو «سامى أفندى» الذى يعد من مؤسسى الجريدة، أما عن القسم العربى فقد كان المسؤول عنه هو السيد شهاب الدين محمد إسماعيل، وكان يتقاضى عن عمله 750 قرشاً. كان يكتب اسم الجريدة «وقائع مصرية» فى رأس الصفحة الأولى، وعلى يسار الاسم رُسم إصيص زرع يرمز لشجرة القطن، وتغير فى العدد الثامن عشر واحتل مكانه رمز الهرم ومن خلفه تهيأت الشمس، وطبعت «الوقائع» بمطابع بولاق إلى العدد 535 الصادر فى 15 يونيو 1833 ثم بمطبعة «الوقائع» بالقلعة لـ6 أعداد، وعادت تصدر من مطبعة بولاق حتى عهد سعيد. وعنيت «الوقائع» فى صدرها الأول عناية خاصة برواية الأخبار الرسمية فى أسلوب فيه من التعظيم كلما اتصلت الأخبار بالوالى أو رجال الحكومة بالإضافة لنشر الحوادث التى تظهر للناس أن الدولة يقظة على أمنهم وراحتهم، واستمرت «الوقائع» تؤدى رسالتها على هذا النحو، برئاسة سامى بك، وخليفته أحمد أفندى، ومساعديهما. ظلت الوقائع المصرية تجرى على نهجها حتى بدأت الصحيفة الرسمية تدخل فى طراز جديد، عندما تولى رئاسة تحريرها رفاعة الطهطاوى، عام 1842م، وكان له العديد من الإنجازات وأهمها أن تكون اللغة العربية هى الأساس للجريدة واللغة التركية هى الترجمة لمواضيعها، وأدى ذلك إلى تنوع واختلاف المواد المنشورة. وفى عهد الخديو إسماعيل، لم يهتم بالجريدة فى بداية حكمه للبلاد، ثم بدأ وضع قواعد ونظم ظهرت بها «الوقائع المصرية» برسم جديد وكان ثمنها 120 قرشاً فى السنة ويتقاضى المدير 3000 قرش فى الشهر والمحرر 1500 قرش شهرياً وأصبح قلم الوقائع مستقلاً وكان المحرر الأول بعد استقلال الجريدة هو الشيخ أحمد عبدالرحيم. وفى عام 1880م تولى الشيخ محمد عبده رئاسة الوقائع المصرية وأصبحت تصدر يومياً عدا يوم الجمعة وأصبح لها استقلال تام، وكانت الافتتاحية للشيخ «محمد» بعنوان «دخول جريدة الوقائع المصرية فى طراز جديد، وبلغت «الوقائع» عصرها الذهبى فى عهد الإمام محمد عبده، الذى كان حريصاً على أن يكون أسلوب الكتابة فيها أسلوباً عربياً صحيحاً، وفى ذلك الوقت عرفت الجريدة نظام الإعلان، الذى قدر بقرشين للسطر الواحد فى حين أن ثمن العدد قرش واحد. وأصبحت «الوقائع المصرية» مدرسة لها أساتذتها وتلاميذها فى كل حقبة من الزمن فنجد الإمام محمد عبده تتلمذ على يديه فى الوقائع المصرية سعد زغلول الذى أصبح كاتباً وأديباً وسياسياً وكتب فى كل المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وأيضاً إبراهيم الهلباوى، الذى أصبح أول نقيب للمحامين وغيرهم. وفى عام 1911 أصبح تحت كلمة «الوقائع المصرية» التاج وداخله علم مصر وكُتب تحتها «جريدة رسمية للحكومة المصرية»، أما عن التعليمات الخاصة بالاشتراكات ونشر الإعلانات فأصبحت فى الصفحة الأخيرة، بدلاً من كتابتها على الجانبين الأيمن والأيسر وتلاحظ فى عام 1912 أن هناك أعداداً غير اعتيادية تصدر أيام الأحد والخميس علاوة على الأعداد الدورية التى كانت تصدر، وعين أحمد صادق بك مديراً للمطبعة الأميرية ومشرفاً على «الوقائع المصرية» عام 1917م، وأصبحت الوقائع المصرية تابعة لمراقبة مطبوعات الحكومة بوزارة المالية، كما ظل ثمن النسخة كما هو حتى عين المستر جورج نيوتن ملاحظاً للمطبعة الأميرية والجريدة الرسمية ورفع أجر سطر الإعلان إلى 12 قرشاً ولم تحدث فى عهده إضافات جديدة لـ«الوقائع» لا فى الشكل ولا المضمون. وفى 17 يناير 1924 عين المسيو إميل فورجيه، مديراً للجريدة وكانت تشهد البلاد فى ذلك الوقت حياة دستورية جديدة فى عهد الملك فؤاد، وبدأت مضابط جلسات البرلمان تنشر فى «الوقائع المصرية» على هيئة ملاحق مرفقة للعدد، وظل هكذا حتى عام 1952. وانتدب حسن على كليوة بك للقيام بأعمال مدير المطبعة الأميرية والجريدة الرسمية وفى عهده أصدرت أعداد غير اعتيادية للوقائع المصرية باللون الأخضر وداخل برواز بنقوش فنية تحمل أمراً ملكياً بميلاد الأمير أحمد فؤاد وإطلاق لقب «أمير الصعيد»، وأخذت «الوقائع المصرية» كأى صحيفة تتابع أخبار الدولة علاوة على قيامها بنشر جميع الأوامر والمراسيم الملكية وقرارات الوزراء والحالة المنظورة الداخلية دون أن يكون لها الحق فى التعليق أو النقد أو إبداء الرأى فى أى حدث، لكن كانت تقوم بنشر ما تريد السلطة أن تنشره على الشعب حتى إنه وقت قيام ثورة 23 يوليو 1952 لم يرد فيها أى شىء خاص بقيام الثورة. وفى 16 يناير 1954 ظهر أعلى كلمة «الوقائع المصرية» شعار جمهورية مصر وفوقها «بسم الله الرحمن الرحيم» وتمت زيادة سعر النسخة إلى 30 مليماً وأصبحت أجرة السطر فى الإعلان 240 مليماً، وفى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر اهتمت الدولة اهتماماً كبيراً بتنظيم إصدار الجريدة الرسمية وأصبحت تصدر يومياً باللغة العربية ويوم الخميس باللغة الفرنسية ووصل سعر النسخة عام 1966 إلى 5 قروش مضافاً أليها مصاريف إدارية قد تصل إلى 5 قروش أخرى ونظراً لارتفاع أسعار الورق والخامات عام 1974 تم تخفيض سعر النسخة إلى 70 مليماً فقط، فى حين وصل ثمن السطر فى الإعلان سنة 1988م إلى 6 جنيهات. وتذكاراً لتاريخ الجريدة أصدر فى نفس العام طابع بريد مدون عليه اسم «الوقائع المصرية». ورغم مرور ما يقرب من 181 عاماً على إصدار «الوقائع المصرية» إلا أنها حملت فى طياتها جميع الأحداث والقوانين والقرارات التى تنظم العمل داخل الدولة ولولا وجودها ما وصل إلينا الكثير من المعلومات التاريخية.
بيانات الدخول
Account No : 05955010000561
IBAN : EG350004431500005955010000561
Account Name: Arab Academy for Legal Systems
المجمع العربي للأنظمة القانونية Account Name In Arabic:
Bank Name: BDC Banque du Caire
Swift Code: BCAIEGCX415
Account No : 05956010000492
IBAN : EG100004431500005956010000492
بيانات الاتصال بنا