دليل الحبس الاحتياطي في القانون المصري
دكتور/ بشير سعد زغلول
أستاذ القانون الجنائي المساعد
كلية الحقوق – جامعة القاهرة
دكتوراه في القانون الجنائي من فرنسا
الحرية الشخصية، ومن بينها الحق في التنقل، هي حق طبيعي من حقوق الإنسان، وهي من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الفرد والتي تحرص كل دولة، يمكن أن يطلق عليها دولة قانون، على حمايتها وكفالة ممارستها من قبل الأفراد. وما يبرر المساس بالحرية الشخصية في التنقل هو وجود الشخص في موضع الاتهام بارتكاب جريمة، الأمر الذي يوجب ملاحقته جنائيا من قبل الجهة المختصة بمباشرة الدعوى الجنائية، وهو ما يتيح لها اللجوء إلى بعض الإجراءات القسرية ضد المتهم ومن أبرزها الحبس الاحتياطي. وإذا كانت الإجراءات الجنائية تمنح للجهات المختصة بتطبيق قواعدها سلطات واسعة تمكنها من البحث عن مرتكبي الجرائم وملاحقتهم بهدف كشف الحقيقة وتحقيق العدالة الجنائية، فإن الإجراءات الجنائية ذاتها تتضمن من الشروط والضمانات ما يكفل ضبط ممارسة هذه الجهات لاختصاصاتها كي لا تحيد عن طريقها، رغبة في حماية حقوق الأشخاص وحرياتهم الفردية ضد أي اعتداء أو تعسف تمارسه إحدى الجهات المنوط بها مباشرة هذه الإجراءات في مواجهة الأفراد.
والحبس الاحتياطي هو أمر قضائي تستلزمه مصلحة التحقيق وحسن سير الإجراءات، وهو إجراء استثنائي ينطوي على حرمان المتهم من حريته الشخصية خلال مدة مؤقتة قبل صدور حكم قضائي في موضوع التهمة المنسوبة إليه. ومن هنا أحاطه القانون بالعديد من الضمانات والقيود التي تكفل وضعه في مكانه الصحيح كإجراء استثنائي احتياطي مؤقت غرضه مصلحة التحقيق يُتخذ ضد متهم تُفترض براءته طالما لم يصدر حكم بإدانته، فإذا انتفت العلة من اتخاذه امتنع اللجوء إليه وإلا كان في سلب حرية المتهم بحبسه احتياطيا نوع من التعسف.
وقد أصدرنا في عام 2007 مؤلفا في الحبس الاحتياطي عبارة عن دراسة للموضوع في كل من القانونين المصري والفرنسي. وجاء تناولنا لهذا الموضوع عقب إصدار المشرع المصري للقانون رقم 145 لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، حيث انصبت غالبية مواد ذلك القانون على تعديل القواعد القانونية للحبس الاحتياطي. وقد أردنا بتلك الدراسة الفقهية المقارنة وضع مؤلف علمي متعمق يجمع بين طياته كل ما يتصل بموضوع الحبس الاحتياطي. وفي عام 2010 خطرت لنا فكرة وضع مؤلف علمي، مشتق بصفة أساسية من مؤلفنا السابق، خصصناه لبيان القواعد القانونية للحبس الاحتياطي في القانون المصري. وكانت غايتنا من ذلك تتمثل في تجنيب فئة من القانونيين عناء البحث عن حكم القانون بين طيات مؤلف ضخم يتناول بالتحليل والنقد موضوع الحبس الاحتياطي ليس فقط في القانون الوطني وإنما أيضا في قانون أجنبي.
وقد لوحظ في العامين الماضيين الاهتمام بموضوع الحبس الاحتياطي، ليس من جانب القانونيين هذه المرة وإنما من جانب الرأي العام في المجتمع المتابع للقضايا المطروحة على جهات التحقيق وقضاء الحكم نظرا لنوعية هذه القضايا وطبيعتها وأشخاص المتهمين فيها. ويثور مع كل أمر صادر بحبس المتهم احتياطيا أو بإخلاء سبيله العديد من التساؤلات بل والانتقادات التي تصل إلى حد الاعتراض بصورة علنية، وذلك تبعا لنوعية القرار الصادر ورغبة المعترض المأمولة. بل وصل الأمر أحيانا إلى لجوء النيابة العامة إلى الطعن بالاستئناف ضد أوامر إخلاء السبيل بالمخالفة للقواعد القانونية الحاكمة لأوامر الحبس الاحتياطي في محاولة لتهدئة الرأي العام الغاضب، رغم افتراض علمها مسبقا بمصير هذا الطعن والمتمثل في الحكم برفضه استنادا لعدم جواز الاستئناف قانونا في بعض الحالات.
وقد جاءت فكرة إصدار هذا المُؤلف القانوني تحدوها رغبة وحيدة تتمثل في نشر الثقافة القانونية بشأن أحد موضوعات القانون الهامة والتي باتت مثار اهتمام جميع المتابعين للشأن العام في مجتمعنا المصري. وقد آثرنا في هذا المُؤلف تجنب الآراء الفقهية المتخصصة والتحليل القانوني المتعمق والمقارنة التي يهفو إليها الباحثون في العلوم القانونية. كما آثرنا تجنب الانتقادات العلمية لمضمون وصياغة النصوص التشريعية، إلا ما تستلزمه ضرورة العرض القانوني، كي لا يتشتت ذهن القارئ ويكابد لمعرفة حكم القانون بين ما هو قائم فعلا وما يُفضل أن يكون. فخرج هذا المُؤلف في صورة نأمل أن يستفيد منها القارئ غير المتخصص في القانون بقدر ما نأمل أن يخدم القائمين على تطبيق القانون والمشتغلين به. فراعينا تقسيمه إلى فصول عديدة يعالج كل منها جزئية محددة كي لا يشرد ذهن القارئ ولا يمل القانوني عند بحثه عن حكم القانون بشأنها.
ونود أن نختم بالقول أن هذه العمل وإن كان خلاصة المرجعين السابقين لنا، إلا أنه نتاج لكل جهد ورأي سبقنا إليه الآخرون ممن قرأنا لهم واطلعنا على مؤلفاتهم واجتهدنا قدر استطاعتنا.
السعر :
14.29
USD